استقلّ (طارق) الحافلة وهو يرزح تحت ثقل حقيبته على ظهره، فتّش ببصره عن مقعدٍ فارغ، فوجد اثنين.. الأول بجانب فتاة تحمل ملامحها براءة الأطفال، والآخر بجانب عجوزٍ ربما نسيّها (عزرائيل) منذ زمن.
ودون تردد، اختار الجلوس إلى جانب (طفلته).. هكذا سمّاها داخل روحه. ما إن استقرّ في مقعده، حتى أخرج روايته الأثيرة، ذات الغلاف المميز: الحالم. ربما كانت هذه المرة العاشرة التي يقرأ فيها هذه الرواية، لكنه في كل مرة يكتشف شيئًا جديدًا فيها.. وآخر مرة اكتشف أن لها تأثيرًا سحريًا على نظرة الفتيات إليه، وهو يريد اختبار ذلك السحر والإحساس بنشوته هذه المرة أيضًا.
بدأت الخواطر تجول في ذهنه كأسدٍ جريح:
ستراني الآن وأنا اقرأ.. وبعدها ستسألني عن عنوان الرواية، فأظهر لها غلافها الأمامي.. ستتسع عيناها دهشة ويرتسم شبح ابتسامة على محياها الجميل هذا.
قلب الصفحة وعيناه تتابع نظرات الفتاة الساهية:
سأسألها عن اسمها.. أعتقد أنه: (حلا)، سأخبرها اسمي بدوري.. فتُثني عليه وتقول أنه يذكرها بطارق بن زياد.. أو ربما طارق السويدان.
حينها، سأدعوها لتناول فنجان قهوة معي وستوافق بالتأكيد.
أظهرت الفتاة تململًا في جلستها، وظهرت غمامة خفيفة في أفق عينيها تشيّ بعاصفة من البكاء الصامت، في تلك اللحظة.. قرر طارق أن يربت على يدها كنوعٍ من المواساة، لكن جُبنه منعه من ذلك.
لا أظنها كانت لتُمانع لو لمست يدها! من يعلم؟ ربما كانت بحاجة للمسةٍ حانية من شخصٍ غريب، لا يحتفظ من التفاصيل إلا بأهمّها وأشدّها تأثيرًا.
شخص لا يشتهيها.. لكن لحظة! من قال أنني لا أشتهيها؟
شعر طارق بالدماء الحارّة تفور في جسده كبركان، تخيّلها على فراشه.. والكتب متناثرةً حوله و.. قطع حبل أفكاره الشهوانية صوتها الهامس وهي تقول: أتسمح ليّ بالمرور؟
أبتعد بجسده قليلًا، ونظراته تتأمل تكوين الفتاة الجسدي الضئيل وتابع خطواتها خطوة بخطوة، حتى نزلت محطتها، حينها فقط أدرك أنه لم يقرأ سطرًا واحدًا منذ صعوده الحافلة!
Emy
October 23, 2020 at 8:33 amالفونت و الالوان و الكلام رائع، احسنت
Add a comment