الفصل الأول
محمد السيد محمود ، مجرد شخص بسيط يعمل بوزارة التربية والتعليم ، وما أهون المعلم فى مصر هذه الأيام !!
عاش عمره معلما للصغار فى المرحلة الإبتدائية ، لم يكن له طموحات كبيرة ، ولم تكن له أحلام مستحيلة .
فقط تزوج من فتاة مناسبة تعمل إدارية بالمدرسة التى يعمل بها ليكونا معا حياة بسيطة تلائمهما معا .
انجبت سلمى فتاتين واجتهد محمد لتحصلا على مستوى تعليمى يقيمهما تقلبات الأيام .
وها هي دعد ابنته الصغرى تنهى عامها الجامعى الأخير ليشعر محمد وسلمى أنهما وصلا بالفتاتين لبر الأمان ، ليس لهما أحلاما بعد سوى أن تتزوج الفتاتين ممن يصون الأمانة ويحفظ العهد .
منذ عام تقدم شاب يدعى أدهم لخطبة ديما ابنته الكبرى ورغم ظروف الفتى المادية غير المستقرة إلا أنه لمس فيه خلق ودين فقبل به لتتم خطبة ديما على أن يتعاونا لبناء منزلهما سويا .
وبعد انتهاء الصغيرة دعد من دراستها تقرر إتمام الزواج فى الخريف من هذا العام ، لذا فهذا الصيف هو الأخير ل ديما بحياتها كصغيرة تحظى برعاية أبويها وقريبا ستصبح مسئولة عن حياة خاصة ستكد وتشقى لتكن سعيدة لها و ل أدهم الذى تتوسم فيه الخير .
لذا قرر والديها أن تحصل الفتاتان على صيف مميز فخططا لرحلة عائلية لم تحظ عائلتهم الصغيرة بمثلها مسبقا .
خرجت ديما ودعد تحمل كل منهما حقيبة صغيرة لتتحدث ديما بحماس : إحنا جاهزين .
ابتسم محمد لصغيرتيه متسائلا : جبتو كل اللى هتحتاجوه .
أكدت ديما : طبعا يا بابا ماتقلقش.
لتوكزها دعد : بذمتك انت جايبة الثقة دى منين؟ ده إحنا اول مرة نطلع مصيف اكتر من يوم رايح جاي
نفضت ديما كفها بتعالى : اسكتى انت انا عارفة كل حاجة .
امتعضت ملامح دعد بينما زفرت سلمى التى غادرت غرفتها توا : مفيش فايدة عمركم ما هتكبروا . قوم يا محمد خلينا نلحق الاوتوبيس لسه هنركب للتحرير .
نهض محمد عن مقعده يتقدم ثلاثتهن لتهمس دعد : اخيرا هنشوف ارض الفيروز اللى طول عمرنا نشوف صورها .
بعد ساعة كاملة كان محمد واسرته قد استقروا بمقاعدهم فى الحافلة التابعة لنقاية المعلمين فى الرحلة المتوجهة إلى أرض الفيروز وتحديداً إلى مدينة رأس سدر .
انطلقت الحافلة ليشعر الجميع بالملل فيلجأ البعض لمواقع التواصل ويلجأ البعض للنوم املا فى تمرير الوقت .
بعد ساعتين ونصف تقريباً من إنطلاق الرحلة هدأ السائق سرعته ليمسك المكبر قائلا : يا جماعة إحنا داخلين على نفق الشهيد أحمد حمدي وهنا هتتفش الشنط ويتكشف عن البطايق ، من فضلكم كله ينزل تحت وكل واحد يقف جمب شنطه .
بالفعل اتجه السائق يمينا ليتوقف تماما وسرعان ما كان بالقرب منه بعض الجنود .
فتحت الأبواب وترجل جميع الركاب ليخرج كل منهم حقائبه ويقف بالقرب منها بينما بدأ النساء يتجولن بالقرب ، تبدو الصحراء مترامية الأطراف من هنا وهم لم يعبروا بعد لسيناء .
تسمرت قدمى دعد حين هب هذا الكلب الضخم واقفا على أربع ورأسه يصبو نحوها ، تمسكت بذراع ديما بفزع بينما أحكم الجندى الإمساك بالكلب الذى بدأ بالنباح والتوجه نحو دعد التى بدأت ترتجف .
نهرتها ديما بخفوت : دعد بطلى خوف كده الكلب هيجرى عليكى .
إلا أن دعد لا تملك الانصياع لها فهى تخشى الكلاب بشدة ، لحظات وسحبتها ديما بعيدا لتلتقط نفسا عميقا فتقول ديما : ياخوافة . الكلاب دى مدربة بتمسك اللى معاه مخدرات بس .
نظرت لها شذرا : وانت ايش عرفك يا ام العريف ؟
ابتسمت ديما : ادهم قالى امبارح .
شاغبتها دعد : اااااه هى الحكاية فيها ادهم ؟ طيب ياختى بينا نطلع الاوتوبيس احسن الكلب ده شكله هياكلنا .
اخيرا تحركت الحافلة لتمر عبر جهاز كشف الأسلحة قبل أن تتجه نحو البوابات لتمر عبر نفق الشهيد أحمد حمدي إلى أرض سيناء .
بعد ربع ساعة تقريبا بدأ الشاطئ يظهر أحيانا ويغيب أخرى ليزيد حماس اغلب الركاب وتتيقظ حواس الجميع .
مروا بنقطة تفتيشية ثانية قبل أن تبدأ القرى السياحية بطول الشاطئ وكان هذا كافيا لتعلما أن الرحلة أوشكت على الانتهاء.
بالفعل فى نحو عشرون دقيقة أخرى لاحت المدينة الهادئة وبدأت الحافلة تخترق أرضها لتتلهف الأعين لمشاهدة المزيد ، هاك مجموعة من المنازل بتصاميم متقاربة ثم انحرف السائق يمينا لتتراص المحال التجارية على الجانبين ثم ينحرف يسارا لتكون المنازل يمينا والمتاجر والمقاهي إلى اليسار ومع انحرافته الأخيرة بدت كل المنازل متشابهة ، شاليهات من دور واحد تكون كل ست منها بناية أفقية تبتعد قليلا عن المجاورة لها وهذا هو الشكل العام لجميع المنازل .
توقفت الحافلة ليقول قائدها : حمد الله على السلامة يا جماعة ثوانى وهنفتح الشاليهات هنا كل بلوك ست شاليهات واحنا معانا بلوكين كاملين كل أسرة شالية .
تقدم البعض يستظل قرب الأبواب وقد اختار كل منهم اين سيقيم وإن بدا للجميع أنه لا خلاف .
لحظات ووصل مندوب شركة مصر سيناء للسياحة ليقدم المفاتيح ويقول بصوت جهورى : نورتم البلد .. طبعا المفتاح ده لازم تحافظوا عليه لأنه هيدخلكم الشط مجانا .
أشار نحو طريق : هتاخدوا الشارع اللى قدام المسجد الكبير واول شمال علطول هتلاقوا فندق مصر سينا قدامكم .. هتسيبوا المفتاح عند الباب وتدخلوا الشط وتاخدوه تانى وانتو خارجين .
بدأ البعض يسأل عن بعض احتياجاته ليجيبهم الموظف قبل إنصرافه .
فتح محمد الباب ليدخل ويتبعنه بصمت ، الشالية مكون من ثلاث غرف إحداهن صغيرة نوعا ما هناك باب خلفى يطل على حوش خارجى محاط بسور عالى وله باب يصل للشارع الخلفى كما أن هذا الحوش يحوى شجرة عملاقة لها ثمار صغيرة تساقطت أرضا ويبس معظمها ، إنحنت دعد تلتقط البعض اليانع منها متسائلة : إيه ده بقا ؟ بيتاكل ده ؟
نظرت للثمار وكأنها تنتظر إجابتها قبل أن تحملها بكفها وتعود للداخل .
انطلقت تنادى أبيها الذى استلقى للتو منتظرا انتهاء سلمى من تغير الشراشف : بابا . إيه ده ؟
مدت كفها ليعتدل ناظرا له ثم يلتقط واحدة : ده نبق يا دعد .. السدر . ده ثمر شجرة السدر .
ابتسمت دعد وكأنها اكتشفت قارة مجهولة : بيتاكل ؟؟
مسح محمد الثمرة بقميصه ليضعها بفمه ويمضغها مخرجا نواة صغيرة : بس هى اصلا شتوى دلوقتى طعمها مش قوى .
أسرعت سلمى تلتقط حبة وتلوكها : الله ده طعمه حلو اوي .
وضعت دعد اخيرا حبة بين شفتيها : فى شجرة كبيرة ورا .ناخد حبة واحنا مروحين .
نهض محمد ليتجه نحو الفراش الذى انتهت منه زوجته ويستلقى فوقه : طيب ارتاحوا شوية علشان نروح الشط بعد العصر .
بعد ساعات جلس محمد وسلمى أسفل مظلة من الخوص بينما قفزت ديما بين الأمواج الوادعة بمجرد وصولهم ، نظر محمد نحو دعد التى تقف بالكاد يصل الماء لكاحليها ، تنهد بحزن كان على ثقة أنها لن تجازف بنزول المياة ، لطالما كان وزنها سبب حرج شديد لها .
شردت نظراته وأفكاره أيضا وعاد بذكرياته ليوم مولد صغيرته ، لكم كانت ولادتها متعسرة! مما دفع الطبيب بنهاية المطاف إلى إخضاعها لجراحة قيسرية ؛ وكانت تلك الجراحات بذاك الوقت تعنى خطر محدق .
عودة للوراء …
ركض محمد نحو الطبيب بلهفة ليبتسم الأخير بوهن : الحمدلله ربنا نجاهم .
خر محمد ساجدا لينهض فى لحظات مستقيما متسائلا بلهفة : يعنى الاتنين بخير ؟
ربت الطبيب فوق كتفه : الأم والمولودة بخير ، هيجيبوا البنت دلوقتى والام هتتنقل اوضة وتشوفوها .
اتسعت ابتسامته بعد مغادرة الطبيب مع تقدم إحدى الممرضات لتضع الصغيرة بين ذراعيه .
بعد استقرار سلمى بالغرفة المشتركة التى تشاركها فيها اخرتين دخل محمد يحمل الصغيرة بين ذراعيه وتعدو ديما الصغيرة لتلحق بخطواته .
اقترب من فراش زوجته : حمد الله على السلامة يا سلمى .. نشفتى دمى حرام عليك .
ابتسمت بضعف : ولد ولا بنت ؟
قرب الصغيرة منها بسعادة : دعد .
قطبت جبينها بعدم فهم : إيه دعد ده يا محمد ؟؟
ضحك محمد : دعد يعنى المرأة الممتلئة
عادت تنهره : علفكرة مش شرط إنها تبقى مليانة .. اطفال كتير بيتولدوا مكلبظين شوية .
ضحك محمد لتذمر زوجته ودفاعها عن الصغيرة وكأن الوزن الزائد عارا يجب أن ينفى عن ابنتها !!
لكن مع تقدم الصغيرة فى العمر أثبتت الأيام أن وزنها الممتلئ جزء من تكوينها .
عاد محمد من ذكرياته لتعود عينيه ملاحقة صغيرته ممتلئة القوام مع خطواتها المتمهلة نحوه .
لن يطلب منها السباحة ، يعلم أنها لن تفعل وهو يكره شعورها بالحرج لذا نظر لزوجته : سلمى ماتنادى ديما خلينا نروح انا جعان .
ضحكت سلمى : لحقت تجوع يا محمد . خلى البنت تفرح بكرة تتجوز ويمكن جوزها مايقدرش يوديها مصيف .
أسرعت دعد التى جلست بالقرب توا تؤيد أمها : ماما معاها حق يا بابا ديما بتحب البحر اوى .
اتخذت الفتاتين طريقا رئسيا نحو السوق التجاري لتلك المدينة الهادئة فهم بحاجة لبعض الخضر والبقالة أيضا .
سارتا بهدوء لتراقبا الصغار والفتيات بالدرجات لتقول ديما فورا : دعد ما تيجى نأجر عجلة .
هزت دعد رأسها بأسف : عجلة !! بالذمة انت كبيرة انت ؟
وكزتها ديما : جرى إيه يا دعد ؟ سبتلك العقل يا ست العاقلين .
ظلتا تتناحران وتتشاغبان حتى وصلتا لمتجر الخضر المقابل للشارع الطويل ارتقيتا الدرجات القليلة لتنظر دعد للمعروضات بعدم رضا : إيه ده الخضار كله بايت كده ليه ؟؟
أمسكت ديما حبات الطماطم : بكام يا حج ؟؟
نظر لها البائع : الاتنين بخمسة يا ست الكل .
شهقت دعد : ليه دى بايتة ؟؟
اقترب البائع : يا ست الكل كله هنا كده انت فى صحراء والخضار بيجى مرتين فى الأسبوع.
زفرت دعد بضيق واتجهت للداخل حيث يتجمع بعض النسوة لتسمع إحداهن تقول لرفيقتها : لا ياختى انا هروح بكرة السوق احسن .
اقتربت منها لتبتسم بود : لو سمحت فين السوق ده ؟
نظرتا لها لتقول بود : شكلك مش من هنا . بصى يا حبيبتى السوق هنا فى ابوصويرة كل يوم تلات
تساءلت دعد : واروح ازاى ابوصويرة دى ؟
أشارت الفتاة بإتجاه رأسى : انت تاخدى الشارع ده علطول لحد السريع وعند التلت سمكات تلاقى العربيات بتحمل للسوق ومن السوق تلاقى العربيات بتحمل لهنا بس كده .
ربتت دعد فوق كفها شاكرة : كتر خيرك .
عادت نحو شقيقتها التى لازالت تنتقى الحبات الصالحة من الطماطم لتقول : خلاص يا ديما مش مهم يلا نروح .
جذبتها جذبا نحو الخارج لتعترض ديما فتخبرها بما علمت وتتفقا أن تبكرا فى الذهاب لتلك السوق المحلية بحثا عن اسعار أقل ومعروضات أفضل .
عادتا للشالية ليعترض محمد على توجهما لتلك السوق لكن أمام اصرارهما وثقته فى قدرتهما على ذلك قبل أن تتوجها للسوق صباحا فمن الحسنات التى لا ينساها لزوجته تنشئة الفتاتين بشخصية قوية ودفعهما للأعتماد على الذات فنشئتا رغم اختلافهما الواضح إلا أن كلتاهما قادرة على اجتياز أى تحدى .
فى الصباح اتخذتا الطريق الذى وصفته تلك المرأة وكان الأمر يسير على مايرام بمجرد أن لاح الطريق رأت دعد السيارات ليشير لهما السائق : السوق يا مدام .
شعرت بالحرج الذى لم تبديه واتجهت برفقة أختها نحو السيارة لتستقلا المقعد الخلفي .
لحظات وامتلئت العربة وكانتا الفتاتين بينما الجميع من الرجال لتنطلق العربة فورا .
دقائق ولم يكن الطريق سوى صحراء بها بضعة منازل متناثرة بسيطة البناء تباطئت سرعة السيارة لتتوقف جانبا ويترجل السائق بغضب قبل أن يستلقى أسفل سيارته ويغيب لدقيقة .
استوى واقفا ليقول : لا مؤاخدة العربية عطلت .
شهقت ديما بفزع لتضغط دعد فوق كفها بحدة وتترجلا عن السيارة
لحظات ومرت سيارة ربع نقل ليقفز بها شابين كانا يستقلان السيارة لتشعر ديما بالمزيد من الفزع ارجعته لإعتيادها صخب المدينة عكس الصحراء المترامية الاطراف التى تثير الفزع داخلها دون سبب ملموس .
تقدم منهما أحد الأشخاص كان يستقل السيارة أيضا ليقول بلهجة بدوية : تحروني فى ظلة عربيتيه
.
وتقدم من الطريق لتنظرا له بقلق ؛ هو يرتدى جلبابا ابيض ويغطى رأسه بشال أبيض أيضا .
نظرت ديما لأختها بخوف : هنعمل ايه دلوقتي ؟ انا خايفة يا دعد تعالى نتصل ب بابا وهو يتصرف .
نظرت لها دعد بحدة : ليه يعنى هياكلونا ؟ عادى شكله هيوقف لنا عربية تانية وخلاص .
أشار ذلك الرجل للعربات التى تمر بسرعة جنونية لتتوقف جانبا سيارة بيضاء فارهة ويهبط زجاجها ببطء شديد .
أطل برأسه من السيارة شاب حاد الملامح متسائلا : ايش عندكم يارجال
أشار الشخص نحوهما : اسمع ارع الحريم خذهن معك لعند السوق
نظر لهما متسائلا : احريمك ؟؟
رفع ذراعيه : لا ماهن احريميه بس احريم غريبات انخليهن فالخلا ؟
نظر لهما صاحب السيارة : تعالن حياكن الله باخذكن في طريقيه
ترددت ديما بينما أمسكت دعد كفها بقوة متقدمة من السيارة : معلش هنتعب حضرتك بس مفيش عربيات أجرة بتقف .
أشاح عينيه عن محياها : لاتقولي كذيا مافيه تعب وانا اخوكي حياكي
استقلتا المقعد الخلفى لتنظر لذلك الشخص مبتسمة : متشكرين جدا .
ربت فوق صدره وعاد لقائد السيارة الخربة بصمت .
انطلق هذا الشخص بسيارته وعينيه على الطريق لكنها تخونه وتلتقط نظرة على المقعد الخلفى ليتساءل : انتو غريبين عن المنطقة هيذي ؟
ابتسمت دعد : ايوه جايين مصيف .
أسرعت ديما : بس البلد مملة اوى مفيش فسح غير البحر .
نظر لها لتعود عينيه نحو دعد بحسرة واضحة :له من قال ليكي كذيا
ايش رايكن تطلعن العيون ، وممكن تروحن….
قاطعته ديما : إيه العيون دى ؟
ركز ناظريه للأمام : عيون موسي بس غار يكون معكن واحد مننا رجال بدوي يقدر ياخذكن للعيون الجارية
مهو المزار السياحي
في عينين مي وماهن دواء ويشفى باذن المولي
وكمان ممكن تلقن العين الكبريتيه عند العبور او تلقن حمام فرعون
وهذا شفا وازبط شط وماه حلو .وكمان ممكن تطلعوا العين او تلقن قلعه الجندي
لاحظت دعد أن سرعة السيارة بطيئة للغاية لتنظر له بحدة : ممكن حضرتك تسوق بسرعة شوية ؟؟ إحنا مش عاوزين نعطلك عن أشغالك .
إلتقط نظرة نحوها :
ولا حاجة يامدام وانا اخوكي
نهرته بحدة دون أن تشعر : آنسة يا استاذ ومن فضلك دوس بنزين شوية .
تقابلت الأعين عبر تلك المرآة لترى ابتسامته التى اتسعت لتشعل فتيل غضبها ظنا منها أنه يسخر لوزنها الزائد .
أشاحت وجهها نحو النافذة ليمد كفه ويحمل علبتين من العصير من صندوقه الحافظ ويقدمهما مع ابتسامة واسعة : اتفضلوا .
نظرت له بنفس الحدة بينما إلتقطت ديما العلبة بود ليلحظ فورا الخاتم المحيط ببنصرها الأيمن ، عادت بنظرها للنافذة ليلح مجددا :
تفضلي يا انسه احنا بدو وهذا واجبيه عليكي
عادت بنظرها له تنوى توبيخه لتنهر نفسها فورا ، ابتسامته لا تحمل ذرة من سخرية ، يمكنها رؤية السخرية بوضوح لطالما كانت تراها فى أعين الجميع .
مدت كفها اخيرا : شكرا .
سقط ناظريه فوق كفها فورا وكفه الآخر يدير عجلة القيادة ليعود للطريق بأسف يحاول إنكاره : هاذا السوق بس خليكن بنزلكن قدام .
قاد السيارة بتمهل ارجعته للزحام ليتوقف أخيرا فتنظرا له وتسارع ديما بشكره : شكرا يا استاذ .
نظر لها فورا : مصلح .. أسميه مصلح
ابتسمت بينما ترجلت دعد بالفعل : تشرفنا .
غادرتا السيارة ليتبعهما فى لحظة وقد عجز تماما عن اخفاء اللهفة بصوته : يا آنسة لو سمحتي .
توقفتا لتنظرا له بدهشة فيحمحم بحرج :
لو حابين يعنى انا بطلع مع ربعيه للعيون ومعنا عربية بنأجرها للناس وكذيا
صمتت دعد بينما تساءلت ديما : بتأجرها بكام وكام نفر ؟
اختطف نظرة مرغما ليبتلع ريقه مجيبا :
والله بأچرها بمئة چنية بس مايخالف يابنت الاجواد
هيه اربعطاشر نفر
انا والربع ثلاثة وانا بسوق
رفعت رأسها تنظر نحوه : يعنى عاوزين حداشر نفر خلاص احنا هنجمعهم من الرحلة معانا .
اخرج هاتفه : طب ماتعطينيه رقمكي
أخرجت هى هاتفها : لا حضرتك ادينى رقمك وبابا هيكلمك .
أومأ بتفهم ليطيل الحوار :
كمان تقدرن في نفس مشواركن تشوفن النقطه الحصينه هيذي دشمه من ايام الحروبات فيها المدفع الي ضرب مدرسة بحر البقر عارفتها ؟
هزت رأسها ولم تجب ليمليها رقمه قبل أن يقول : انا طالع هالحين علي شرم وبعاود اشوي في اليل
انا من بكره تحت امركن
ابتسمتا بود لتمسك ديما كف اختها وتسحبها من أمامه ، وقف حتى ابتعدتا مسافة كافية قبل أن يقترب من شاب بمثل عمره يتكأ فوق سيارة أجرة : السلام عليكم .
التفت الشاب نحوه مرحبا ليقترب هامسا له ببعض كلمات ومشيرا برأسه نحوهما ، نظر له الفتى ثم ابتسم مشيرا بسبابته نحو عينيه .
تجولتا بتلك السوق التى تعتبر بالنسبة لهما صغيرة للغاية لكنها كانت كافية للحصول على ما تحتاجان من خضر وفاكهة تكفى مدة اقامتهما والتى هى خمسة أيام مر إحداها .
اخيرا حملتا الحقائب لتقول ديما بضعف : انا تعبت الشمس هنا حامية اوى .
نظرت لها دعد لتمد كفها وتحمل عنها حقيبتين : معلش هنروح اهو ونرتاح .
اقترب منهما ذلك الشاب : بدكم سيارة لسدر ؟
نظرتا له ليتابع : مخصوص بطلع بيكم مخصوص .
تساءلت دعد فورا : تاخد كام ؟؟
حاورته وكان مستعدا بالفعل ليقبل اى مبلغ تعرضه كما طلب منه مصلح دون أن يفهم سبب ذلك الطلب او يتغافل عن فهمه .
فى غضون ربع ساعة كان يحمل الحقائب عنهما رافضا بشدة أن تحملا اى منها ، وضعها بباب الشالية الذى ارشدته له ديما لتنقده أجرته وينصرف بهدوء .
فتح محمد الباب : اتأخرتوا ليه يا بنات ؟ كان لازم اروح معاكم .
انحنى يحمل الحقائب تساعداه على ذلك لتقول ديما : يا سلام يا سى بابا !! من امته بتروح معانا السوق هو احنا صغيرين ؟؟
ابتسم محمد : لا يا حبيبتي بس البلد هنا غريبة عليكم .
ضحكت دعد : يا بابا دى البلد اوضة وصالة .
بدأت سلمى تفحص المشتريات بإستحسان بينما ديما تقص على أبيها ما حدث وتطالبه برؤية تلك الأماكن التى تحدث عنها ذلك البدوى وتعده أن توفر العدد المطلوب لتقلل التكلفة فما كان منه سوى القبول فهذه الرحلة كلها اسعادا لصغيرتيه .
kikigonna
September 13, 2020 at 6:50 pmالله عليكي ♥️♥️♥️♥️
Add a comment