_ ما الحياةُ إلَّا نُكتةٌ سخفيةٌ، تُلقى على مسامِعك كلّ لحظةٍ، وليست المشكلة في ذلك؛ بل في حتميَّة سماعها ملايير المرَّات، لا حقَّ لك في رفضها، حتى تقتُلك سخافتها، ككأسٍ من شرابٍ عفن، لا بدَّ أن تتجرَّعه حتى الثُمالة، أو لنقل هي من تتجرَّعك، حتى تشبع منك، فتقتُلك لتستدير إلى غيرك.
_يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر “الجحيم هو الآخرون” في إشارة إلى كرهه لبني جنسه، ولا أعتقد إلا أنه جانب الصواب؛ فالجحيم في الحياة هو الحياة نفسها؛ فهي فضلة من زقوم الجحيم، وقضمة من طعام الخاسرين، وغصة في حلق البني أدمين.
_ ذات مرة تخيلت: ألم يكن الأجدر بالانسان أن يخلق من مادة أقسى وأصلب؛ كي يتحمل قسوة الحياة، بدت لي فكرة نيرة، رحت أغوص منتفخا فيها، وأتخيل نفسي في هيئتي الجديدة، الأقوى، لم تمضِ علي ثوان حتى أمطرت السماء، فوجدت نفسي أصدأ! تلك الالام التي أرقتني وأقضت مضجعي تحولت إلى صدأ يتساقط ببعض نفسي وجسدي، فعلمت أن الانسان خلق لهذا، لكي يتعرض للالام والصدأ.
لم أعد اهتم لشيء أو لأحد، شيء ما انطفئ في داخلي وأغلق خانة الاهتمام، تلك التي ما وجدت الا لتقهرنا. فهل اشعر بتحسن من دونها؟ بالطبع لا؛ فما الحياة دون اهتمام! إذن ماذا تريد؟ لا أريد شيئا.
_ إذا أتعب الإنسان بدنه استراحت روحه، وإذا أراح بدنه تعبت روحه.
ففي كل الأحوال لا بد للإنسان أن يتعب، وكأنه قدم للدنيا في ثوب مجرم عتيق الإجرام، عليه عشرات السنين من الأشعال الشاقة في الحياة.
_ قال أحدهم ذات يومٍ، إن الحياة تشبه حلبة مصارعة، في إشارة إلى دوام الصراع وتلقي الضربات، وفي إشارة إلى أن المنتصر في الحياة هو من يتحمل الضربات أكثر من غيره، حسنا هذا كلام صحيح، ولكن إلى حد ما وليس على طول الخط، حيث يتناسى القائل أن الحياة لا تعطي فرصة أخرى أو فاصل للراحة كما في حلبات المصارعة، فعندما يسقط المصارع يمنع الحكم منافسه من الإجهاز عليه حتى يفيق، ولكن الحياة لا تفعل كذلك، في اللحظة التي ستسقط فيها ستدمرك بالكامل، حتى اذا أعلنت الهزيمة ستتوالى عليك اللكمات كلص حقائب في قطار، عفوًا حلبة المصارعة أكثر رحمة من الحياة، الحياة لا تأبه لنا ولا تبالى بنا، وكأننا قُذفنا فيها لا لشيء إلا أن تتعذب، فإن كانت هي طريق الآخرة فهي كذلك بداية الجحيم.
_ بالأمس دخلت مولا كبيرا، أعلم أن ما احتاجه غير موجود، تظاهرت بالبحث الطويل، دخلت كل الطوابق وجميع الأقسام، يبدو أن أحد العمال لاحظ ذلك، سألني: منذ زمن وأنت تبحث في جميع الأقسام، ألم تجد مرادك، لا، فأنا أبحث عن شيء غير موجود في الأرض، منذ سنوات وأنا أبحث عنها ولم أجدها، سألني: ماذا تريد، قلت: الراحة.
_ بحثت كثيرا هل الإنسان مخير أم مسير، وجدت الإجابة التي أقنعتني، الإنسان مسير في ما لا يقدر عليه، ومخير في ما يستطيعه، حسنا أحببت المعنى وارتحت له واعتقدت فيه …. ثم بعد ذلك تغيرت نظرتي للأمور قليلا، مسير في كل الأشياء القبيحة التي تحدث له، أو لنقل في معظمها فبعض القباحات تحدث لاختيارتنا، أما معظم الآلام والأوجاع والخذلان والقسوة تحدث رغما عنا، مهما فعلنا الصواب، لا بد أن تنال حظك من الألم، هذا ألمٌ جديد لم تجربه من قبل، وهذا مرض لم تسمع عنه، ذاك خذلان لابد أن تذوقه، هذا وذاك وتلك .. لا يهمني _أنا الحياة_ أن تفعل الصواب أو أن تكونا ذكيا أو حكيما عارفا بالأمور، ما يهمني أن أوجعك.
_ ما الحياة إلا تاجرٍ لئيم، لا تعطيك إلا بقدر ما تأخذ منك، كل شيء فيها بثمن، كبحر عميق مياهه من المعاناة، لا يمكن أن تحصل منه على شي، إلا بعد أن تغوص في معاناته.
_ لم أعد اهتم لشيء أو لأحد، شيء ما انطفئ في داخلي وأغلق خانة الاهتمام، تلك التي ما وجدت الا لتقهرنا. فهل اشعر بتحسن من دونها؟ بالطبع لا؛ فما الحياة دون اهتمام! إذن ماذا تريد؟ لا أريد شيئا.
لقد نفذ رصيدكم
0 الحلقه الاولى “قد اوشك رصيدكم على النفاذ ” حين نعانق الراحلين في لقاء الوداع الاخير لم يبق لنا سوى دموع تبحر
Kotoobook
September 8, 2020 at 3:28 pmفوق الممتاز يا محمد ، احسنت 🙂
Emy
September 8, 2020 at 3:33 pmإذا أتعب الإنسان بدنه استراحت روحه، وإذا أراح بدنه تعبت روحه
… فعلاً جبت الخلاصه
Add a comment