حُطام

تجلس في النادي مع والدتها و صديقتيها كالمعتاد لكن اليوم مختلف لأنه يوجد شاب سيأتي ليطلب يده هذه الفتاة التي لا تتوقف عن الثرثرة و هي تشرب من عصير الشوكولا بالحليب الخاص بالأطفال و فمها مُلطخ بأثار المثلجات التي كانت تأكلها قبل قليل.
نظرت لها أحدى صديقات والدتها باشمئزاز قائلة:
-يا فتاة توقفي قليلاً عن الثرثرة و قومي بتنظيف فمك…متي ستنضجين؟
أيدتها سيدة أخرى قائلة:
-أجل…بحقك سيأتي شاباً لرؤيتك اليوم…كيف ستقابلينه بطريقتك المقززة في تناول الطعام و ملابسك الطفولية هذه؟…كما ان ثرثرتك و ابتسامك دون داعي ستجعله يهرب منكِ لامحالة
نظرت الفتاة لهما ثم نظرت لملابسها واخرجت مرآة من حقيبة والدتها لترى فمها الملطخ ،نظفته بالمناديل الورقية ثم نظرت لهما قائلة:
-هذا هو الشئ الوحيد الذي يمكنني أن أعدله في هيأتي أما الباقي فهذه شخصيتي و إن لم تعجبه فليغادر
رفعت كتفيها في الهواء في نهاية جملتها فصرخت والدتها بوجهها:
-كُفي عن التصرف بحماقة و جعل الجميع ينتقدك…سترتدين ما سنختاره لكِ و تسريحة شعرك و مستحضرات التجميل أيضاً نحن مَن سنختارها
كادت ان تعترض لكن والدتها اشارت لها بالصمت فتأففت الفتاة ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها بغضب طفولي مما جعل صديقتي والدتها يضحكان فنظرت للأرض بحزن.
لمَ لا يوجد أحد يقدر مشاعرها و ينتقدها بطريقة لا تجرح؟ ،لما ينتقدوها من الأساس؟ ؛هذه شخصيتها التي تميزها ،و لمَ لا تنصفها والدتها؟…
ظلوا يتبادلون أطراف الحديث و المسكينة صامتة و غارقة في الأسئلة التي تنهش عقلها لكنها استفاقت من شرودها علي صوت والدتها و هي تقول:
-هيا يا نغم سنذهب للتسوق الأن
هزت رأسها ثم وقفت و ذهبوا للتسوق ،كانت والدتها تعترض علي كل شئ تختاره مما جعل نغم تضرب الأرض بأحدى قدميها و تقول:
-ما دمت لن أختار ما سأرتديه إذاً لمَ اصطحبتيني معكِ؟!
اجابتها والدتها بعدم اهتمام:
-لكي نجرب المقاس فحسب
زفرت بضيق ثم عقدت ذراعيها امام صدرها لكن اتسعت عينيها عندما وجدت صديقة والدتها آتية و بيدها ملابس لا تليق إلا بالمسنين ،كانت الملابس عبارة عن قميص ملئ بالأشياء اللامعة و تنورة باللون البني تصل لما بعد ركبتيها بقليل ؛همت ان تعترض لكن اوقفتها والدتها قائلة بحزم:
-لا اعتراض…هيا أذهبي لتجربتهم
تأففت ثم أخذت الملابس و ذهب لغرفة القياس و هي تهمهم بكلمات معترضة إلي أن انتهت و خرجت ،كانت هيئتها مضحكة حقاً لكن ماذا تتوقعون أن يحدث ،بالطبع نال هذا علي إعجاب والدتها و صديقتيها فقالت نغم معترضة بحزن:
-لكنني أبدو سمينة و قبيحة في هذه الملابس كما انها ذات طراز قديم
قالت والدتها بنبرة ساخرة:
-و هل انتِ سعيدة بكونك نحيفة كعصا المكنسة
-أجل لأن هذه هي انا…لمَ تريدون تغييري؟
تنهدت والدتها ثم قالت:
-لأنه لن يتقبل أحد شخصيتك تلك غير عائلتك
قالت باعتراض:
-لا انتِ مخطئة…مَن يحبني سيتقبلني كما انا مثلما يفعل اصدقائي
قالت احدى صديقتي والدتها:
-كيف تسمحين لأبنتك أن تبجح بوجهك هكذا؟
قالت الأخرى:
-سامحيني لكنكِ فشلتِ في تربيتها
كادت ان ترد عليهما لكن والدتها اوقفتها قائلة بحزم:
-أخرسي و اذهبي لغير ملابسك كما انكِ ستفعلين كل ما سأقوله اليوم و لا اعتراض
زمجرت بغضب ثم عادت لغرفة تغير الملابس و بدلت ثيابها و بعض دموعها تتساقط لا إرادياً لكنها مسحتهم ثم خرجت و أكملت التسوق معهم دون ان تنطق بحرف.
عند عودتهم للمنزل دخلت لغرفتها و رمت كل حقائب التسوق علي سريرها لكن بالطبع صديقتي والداتها لم يدعها وشأنها بل أجلسها علي كرسي أمام المرآة و أحدهما قامت بعقد شعرها علي هيئة كعكة بينما وضعت لها الأخرى مستحضرات تجميل ثم تركتها لتغير ملابسها بعد ان اعطياها مئات النصائح.
فغرت فاهه و هي تنظر لما أجرماه في هيئتها بعد أن غيرت ملابسها فهي كانت تبدو كمن سقطت من فيلم قديم و فاسد حتى أنها لم تتعرف علي نفسها ؛كادت أن تبكي حقاً فهي تحب شخصيتها و ذوقها الخاص بها في اختيار الملابس و وضع مستحضرات التجميل ،غصة البكاء العالقة في حلقها عندما سمعت صوت رنين الجرس ثم تنهدت و خرجت من غرفتها و ذهبت لمساعدة والدتها في المطبخ و ملامحها يغطيها الحزن.
لاحظت والدتها هذا فوضعت يدها أسفل ذقنها و رفعت لها وجهها ثم قالت بابتسامة لطيفة:
-لمَ هذا الحزن؟…تبدين جميلة
-لأنكِ تبالين بكلام الآخرين كثيراً لدرجة انكِ سمحتي لهم بتغير كل شئ بي حتي روحي تحاولين تغيرها لإرضائهم…يكفي انا لم أعد أحتمل
-كلام الناس هو ما يرسم صورتكِ في المجتمع لذا فهو مهم
ابعدت يد والدتها عنها بعنف ثم قالت:
-فليحترق كلام الناس و المجتمع في الجحيم لكنني لن اتغير…بحقك مَن يقف أمامك الأن هو حُطامي و ليس أنا
اخذت الصحن الموضوع عليه المشروبات ثم خرجت عندما سمعت صوت والدها ينادي عليها و لم تبالي لمحاولات والدتها لمنعها من الخروج قبل إنهاء حديثهم ،اتسعت عيني والداها بمجرد رؤيتها بينما بدأت الهمهمات و الهمسات بين والديّ الشاب لكنها لم تهتم بل وضعت الصحن امامه ثم قالت:
-اعذروني للحظات
ركضت لغرفتها ثم أغلقت الباب خلفها بالمفتاح ،اخرجت بعض المناديل المبللة من حقيبتها و مسحت كل ما علي وجهها ثم فتحت خزانتها و أخرجت منها فستان قصير يصل لركبتيها و بنصف اكمام و فتحة صدر دائرية و بالون الاسود و به دوائر بيضاء كبيرة كما انه ضيق حتي الخصر ثم ينزل بأتساع ،ارتدته ثم ابتسمت و هي تنظر لهيأتها بالمرآة ،أطلقت العنان لشعرها ثم وضعت أحمر شفاه بالون الوردي الفاتح و حمرة علي وجنتيها فقط.
خرجت لهم بهيأتها التي تشبه الفأرة ميمي ثم جلست إلي جانب والدها الذي ابتسم لها بينما كانت والدتها ممتعضة الوجه أما الشاب و عائلته فكانت ملاحهم مليئة بعلامات الاستفهام و التعجب ،حمحم والدها ثم قال:
-ما رأيكم بتركهما يقفان في الشرفة قليلاً
وافق والديّ الشاب فذهبا ليقفا في الشرفة ،ظلا واقفين في صمت للحظات إلي أن نظرت نغم له و قالت:
-بالطبع فضولك سيقتلك كي تسأل عن ما حدث منذ قليل لكنك مُحرج
ابتسم و قال:
-بالطبع
-مَن خرجت في البداية لم تكن أنا بل كانت حُطام شخصيتي التي يردها باقي البشر اما مَن تقف امامك الأن فهي أنا…أنها نغم التي يعرفها الجميع و أعرفها انا أيضاً
-و انا تعجبني نغم التي تقف امامي لكن أتعرفين ما الذي ينقصك؟
عقدت حاجبيها قائلة:
-ماذا؟
-أذني الفأرة ميمي
ضحك كلاهما بصوت عالي ثم أردف الشاب:
-لا تسمحي لأي أحد بتغيرك فأنا أحب نغم التي تقف أمامي…التي لا تتوقف عن الثرثرة و الضحك و ترتدي ملابس طفولية و تقوم بتسريحات شعر طفولية أيضاً
نظرت له بأعين متسعة و تلمع:
-كيف تعرف كل هذا؟…انا لم أراك من قبل
ابتسامة صغيرة نمت علي ثغره و هو يقول:
-لقد رأيتك أول مرة في الجامعة و انتِ تتناولين المثلجات مع صديقتك و أعجبتك بعفويتك في كل شئ و تعبيرات وجهك الطفولية أما المرة الثانية فكانت صدفة بعدها بأسبوع في وسائل المواصلات عندما كنتِ تعبثين مع رضيع…أتعلمين لقد فاتتني محطتي بسببك ذلك اليوم
ابتسمت بأتساع قائلة:
-و انت تحبني رغم كل هذا
رفع كتفيه في الهواء قائلاً:
-لولا كل هذا ما كنت لأحبك
-لكن ماذا إن كان هذا مجرد إعجاب؟
تنهد ثم اجابها:
-لو كان كذلك لما كنت قد أتيت لرؤية والدك مباشرةً و حتى إن كان كذلك فالأعجاب الزائد يولد حب في النهاية
-هل هذا يعني انك لن تطلب مني في يوماً ما ان اغير شيئاً ما بي بسبب اعتراض أحد اصدقائك عليه مثلاً؟
هز رأسه بنفي فقفزت نغم بسعادة ثم أمسكت بيده تحت نظراته المندهشة و دخلا عند والدها ثم قالت:
-أبي ،زوجني له الأن
ضحك الجميع بينما ابتسمت هي و نظرت للشاب هامسة:
-صحيح انت لم تخبرني باسمك
همس مبتسماً:
-خالد
ظلا شاردان ببعضهما و لا يباليان بأي شئ من حولهما ،حقاً أنه شيئاً مُذهل أن تجد شخصاً يتقبلك بكل شئ يراه الآخرين عيباً لكنه يراه ما يميزك.
لا يمكننا ان نغير كل شئ بنا لمجرد أن الآخرين يرنوه عيباً بك فقد يكون ما يميزك عنهم و قد يكون السبب في حب اصدقائك لك ،كلام الناس جارح و كذلك انتقادهم فهم لا يشعرون بما تشعر به بداخلك عندما يرمون بكلامهم الذي كالخناجر عليك لذا لا يحب ان تبالي بكلامهم كثيراً أياً كان لأنك مميز بشخصيتك مهما كانت مليئة بالعيوب أما النقد البناء فهو قص أخرى. ^-^

Explore More

لقد نفذ رصيدكم

0 الحلقه الاولى “قد اوشك رصيدكم على النفاذ ” حين نعانق الراحلين في لقاء الوداع الاخير لم يبق لنا سوى دموع تبحر

“الممر”

+2 في ذلك الممر الذي لا تري فيه إلا الظلام ولا تسمع إلا صوت أنفاسك المتقطعة كان يقف “فريد” ناظرا حوله محاولا

أنا لست خائفا

0 أنا لست خائف ( الجنية السوداء آكلة الدم) منذ ايام قليله كنت في زيارة الي أحد اخوالي في محافظة الغربية بالتحديد

mood_bad
  • No comments yet.
  • Add a comment